محتويات
هل صام الرسول عشر ذي الحجة أم لم يصمها هي مسألة وردت فيها الكثير من الأقوال بين أهل الفقه وعلماء الحديث حصرًا، فقد ورد في السنة النبوية الشريفة حديث يذكر أن النبي صام عشر ذي الحجة وآخر ذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصم هذه الأيام العشر، فما قصة هذا الخلاف وهل صام النبي عشر ذي الحجة أم لم يصمها، هذا ما سوف نوضحه في هذا المقال.
هل صام الرسول عشر ذي الحجة
ورد في السنة النبوية الشريفة قولان عن موضوع صيام رسول الله عشر ذي الحجة، وهما:
- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: “ما رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ صامَ العَشرَ قطُّ”.
- عن هنيدة بن خالد رضي الله عنه عن امرأته، عن بعض زوجات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنها قالت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ”.
وهنا يرى أهل العلم والفقه أن الخلاف الحاصل بين الحديثين الصحيحين، جاء بسبب أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أخبرت في الحديث بما عرفت وعلمت عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأخبر غيرها بما علم عن النبي أيضًا، والمعروف في الشرع الإسلامي أنّ المثبت مقدم على المنفي، لذلك صيام العشر الأوائل سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.
أقوال العلماء عن صيام الرسول عشر ذي الحجة
كثيرة هي الأقوال التي وردت عن موضوع صيام النبي محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- للعشر من ذي الحجة، وأهمها:
- قال الشيخ الألباني رحمه الله: “القول الصادر من الرسول عليه السلام الموجه إلى الأمة هو شريعة عامة، أما الفعل الذي يفعله هو، فيمكن أن يكون شريعة عامة حينما لا يوجد معارض له، ويمكن أن يكون أمرًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام”.
- قال النووي رحمه الله: “وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ”، وَفِي رِوَايَةٍ “لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ ” رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهُوَ مُتَأَوِّلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ؛ وَالْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن، أَوْ لَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا , وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ”.
- قال الشوكاني رحمه الله: “تَقَدَّمَت أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْعُمُومِ , وَالصَّوْمُ مُنْدَرِجٌ تَحْتِهَا. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ” فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهَا لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ أَنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لَهُ صَائِمًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَوْمِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْفِعْلُ”.
- قال الحافظ رحمه الله: “وَاسْتُدِلَّ بِهِ -أي بحديث ابن عباس- عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ، وَلَا يَرد عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ”.
هل صيام عشر ذي الحجة بدعة
صيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة ليس بدعة أبدًا، فقد ورد في السنة النبوية الشريفة أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حث المسلمين على العمل الصالح في هذه الأيام العشر، ومن العمل الصالح الصيام، قال عليه الصلاة والسلام: “ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ”، لذلك يُستحب أن يصوم المسلم هذه الأيام العشر عسى أن يكون صيامها سببًا في كسب الأجر والثواب من الله رب العالمين، والله أعلم.
مقالات قد تهمك
هنا ينتهي مقال هل صام الرسول عشر ذي الحجة أم لم يصمها وهو المقال الذي ألقينا فيه الضوء على ما ورد في السنة النبوية الشريفة من أحاديث تتحدث عن استحباب صيام العشر من ذي الحجة وأخرى تقول إن النبي لم يصم هذه الأيام العشر، ومررنا على أقوال أهل الفقه في هذه المسألة بالتفصيل.
التعليقات