محتويات
مدى صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور من حيث المتن والسند والمعنى من المواضيع التي تناولها الفقهاء المحدثون وعلماء الحديث؛ بسبب إنه ينتشر بين العامة سواء عن طريق طباعته على أوراق وتوزيعها أو تعليقها في المحال التجارية، أو عن طريق تناقلها في الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حتى أن اللجنة الدائمة للإفتاء قد فصلت فيه القول بجانب أحاديث أخرى، لذا فعبر موقع تثقف وفي هذا الموضوع سنتناول آراء العلماء حول مدى صحته.
صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور
ينتشر بين الناس حديث يقول: “من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور، ومن ترك صلاة الظهر فليس في رزقه بركة، ومن ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة، ومن ترك صلاة المغرب فليس في أولاده ثمرة، ومن ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة”.
حين سُئل فقهاء اللجنة الدائمة للإفتاء في (المجموعة الثانية 3/259) عن مدى صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور وعدة أحاديث أخرى فأجابوا عنها جميعًا أنها لا تنتسب إلى أي من كتب الحديث حتى الضعيفة والموضوعة منها، ولا يعلم احد من العلماء أصل بعد البحث عنها مطولًا؛ فلا يجب توزيعها وعدم نشرها بأي طريقة.
بهذا فإن درجة صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور هو حديث موضوع من حيث المتن ولا سند له من الأساس حتى نحكم عليه، ولا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن النساء الذي وصانا فيه بالإحسان إليهن وحسن معاشرتهن
صحة حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة
كذلك هناك حديث آخر دائمًا ما يرافق الحديث السابق في النشرات أو الرسائل على وسائل الاجتماعي هو:
“من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، ستة منها في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر، أما السِّتة التي تصيبه في الدنيا، فهي: ينزع الله البركة من عمره، ويمسح الله سمات الصالحين من وجهه، وكل …، وأما الثلاثة التي تصيبه عند الموت، فهي: يموت ذليلًا، ويموت جائعًا…، وأما الثلاثة التي تصيبه في قبره، فهي: يضيِّق الله عليه قبره، … ويسلِّط الله عليه ثعبانًا يسمَّى الشجاع الأقرع، وأما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة، فهي: يسلِّط الله عليه من يصحبه إلى نار جهنم على جمر وجهه…”.
فهذا الحديث مثل السابق أيضًا باطل موضوع؛ لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولا يجب تناقله أو إرساله إلى أحد.
كما نحذر أن اختلاق تلك الأحاديث وإن كانت غرضها حسن بأن يحض الناس على الصلاة أو الصيام أو الطاعات بأي شكل؛ إلا إنها تقع تحت طائلة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
حديث من ترك صلاة العصر
بعد أن تناولنا أقوال الفقهاء في صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور وجب علينا أن نرد أنه هناك حديث آخر يحمل نفس الشطر الأول من اللفظ وهو الذي رواه بريدة بن حصيب الأسلمي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
“مَن تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ” (صحيح البخاري 553).
إلا أن هذا الحديث قد ورد في فضل سورة العصر وليس صلاة الصبح/ الفجر، فمن تعمد تأخير صلاة العصر عن موعدها أو لم يصليها دون عذر فقد ضاع عمله وبطل أجره وثوابه.
أحاديث أخرى في ترك الصلاة
بعد أن تناولنا قول العلماء في مدى صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور …، وعرفنا غنه موضوع لا يصح عن النبي؛ لا يعني هذا أن ترك الصلاة شيء هين أو مباح فبجانب آيات القرآن الكريم التي وردت في تحريم ترك الصلاة والوعيد لهذا الفعل نحو قول الله -تعالى- في سورة المدثر:
” مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)” وفي السنة الصحيحة قد ورد عدد من الأحاديث مثل:
الحديث الأول
عن بريد بن حصيب الأسلمي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “العَهدُ الَّذي بيننا وبينهم الصَّلاةُ ، فمَن تركَها فَقد كَفرَ” (صحيح الترمذي 2621).
ففي الحديث السابق يحدد الرسول -صلى الله عليه الصلاة والسلام- أن الذي يفرق المسلم عن غيره هو أداء الصلاة، وقال الفقهاء في شرح هذا الحديث أن المقصود بالأعمال الظاهرة الذي يراها الغير، فالإنسان لا يعلم السرائر.
فمن ترك الصلاة جحودًا بها إنكارًا لها -كما أجمع الفقهاء- فغنه يدخل في حكم الكفار، الكفر الأكبر الذي يخرج من الملة، فمثله كمن كفر بالله والرسل والكتب والملائكة والقدر خيره وشره.
أما تارك الصلاة تهاونًا في حقها أو كسلًا فاختلف الفقهاء في حكمه إلا أن الجمهور ذهب إلى أن من تركها تهاونًا أو جحودًا بحقها فقد خرج من الملة وكفر واستدلوا بالحديث السابق بجانب:
- قوله تعالى في سورة مريم: “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)” فالآية صريحة أن تارك الصلاة مصيره جهنم إلا من تاب عما ارتكب وآمن بالله تعالى.
- قول الله تعالى في سورة الروم: “مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)” فالله تعالى قد بين في الآية السابقة أن من يترك الصلاة يكون من المشركين به الذين يضيعون الفرائض ويرتكبون المعاصي وخلافهم للدين الحنيف.
إلا أن الفقهاء قد حددوا أن هذا الحكم لمن ترك الصلاة كليتًا، أما من ضيع صلاة أو أثنين فلا يقال عليه تارك للصلاة بل يكون في تلك الحالة مقصر وقع في ذنب عظيم وتلزمه التوبة وهو على شفا خطر محدق.
شاهد أيضًا: ما صحة حديث لا تقوم الساعة حتى يكتفي الرجل بالرجل
الحديث الثاني
ففي بيان فضل الصلاة العظيم على العبد وعلى سائر الأعمال قد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث أشهرها الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي قال: “إنَّ أولَ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أَفْلَحَ وأَنْجَح، وإن فَسَدَتْ فقد خاب وخَسِرَ، فإن انْتَقَص من فريضتِه شيئًا، قال الربُّ تبارك وتعالى: انْظُروا هل لعَبْدِي من تَطَوُّعٍ فيُكَمِّلُ بها ما انتَقَص من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِه على ذلك” (سنن الترمذي 413).
في هذا الحديث الشريف يحضنا الرسول على أداء الصلاة في أوقاتها والإحسان بها وأداء النوافل، فيقول أن أول شيء سوف نحاسب عليه يوم القيامة هو أدائنا صلاتنا المفروضة فإذا جاءت الصلاة على الوجه الذي يرضي الله -عز وجل-؛ فقد فاز العبد ونجى وأفلح في آخرته، أما إذا كانت الصلاة ناقصة فقد خاب العبد بئس الخسران.
يردف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حضه على أداء النوافل ويقول إنه إذا كانت الفرائض غير كاملة، فيقول لهم الله تعالى: “انْظُروا هل لعَبْدِي من تَطَوُّعٍ فيُكَمِّلُ بها ما انتَقَص من الفريضةِ” أي أن الصلاة النافلة/ السنة غير الفريضة يؤخذ منها ويجبر النقص في الصلاة المفروضة، ويحاسب العبد على باقي عمله فيؤخذ من الفرض ويرد على الفريضة حتى يصلح باقي عمله.
خطر نقل الأحاديث الموضوعة
كما رأينا سابقًا في حديثنا عن أقوال الفقهاء عن مدى صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور -أن الفقهاء يحذرون من نقل الاحاديث الموضوعة أو التي لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو كان ذلك فيه مصلحة لمن يسمع الحديث فيع تحت باب الوعظ.
ذلك لأن الدين الإسلامي ليس بالرأي ويجب على المسلم عدم المحاولة في التعديل في الدين، ونحن لا نأخذ أي حكم شرعي إلا عن طريق الله -تعالى-، حتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يتكلم على هواه وإنما كل كلامه كان وحي من الله.
في ذلك قال الله -تعالى-: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6)” (النجم).
فمن يقول أي كلام وينسبه إلى الدين وهو يعرف إنه لم ينزل به الله من سلطان فكأنه يعدل على دين الله أو أنه يتهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- -حاشاه- أنه قد كتم العلم أو أنه قصر في إيصال الدعوة إلى عباد الله، نشهد إنه أدى الأمانة ونصح الأمة.
كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد حذرنا من نقل الحديث دون العلم بصحته، فعن عبد الله بن عباس أن النبي قال: “اتَّقوا الحديثَ عنِّي إلَّا ما علِمتُمْ فمَن كذبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ، ومَن قال في القرآنِ برأيِّهِ، فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ” (:أخرجه الترمذي 2951).
فالكاذب العامد قد حضر لنفسه مكان في جهنم؛ فهذه إشارة من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الكذب عليه من الكبائر.
اقرأ أيضًا: صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات
بهذا نكون قد نقلنا أقوال علماء الحديث في مدى صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور، كما أوردنا قولهم في مدى صحة الحديث المجاور له دائمًا، كما ذكرنا أقرب حديث له من حيث اللفظ، والأحاديث المقاربة له من حيث المعنى، متناولين في عجالة خطر وضع ونقل مثل الأحاديث المنسوبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونتمنى أن نكون قد قدمنا لكم النفع والفائدة.
التعليقات