محتويات
عن صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات دار نقاش طويل بين علماء الحديث فبعضهم من قال بصحته والبعض الآخر يرى إنه ضعيف، هذا من حيث السند واللفظ أما عن المعنى فهناك أكثر من حديث آخر يؤكد معناه بجانب الآيات القرآنية التي تحث المسلم على بر الوالدين، ولهذا فنجد أن بعض العلماء لديهم يقين من صحة الحديث في وجه منه.
لذا ففي هذا الموضوع على موقع تثقف سنوضح لكم آراء العلماء حول صحة هذا الحديث، وأقوالهم المتعددة حوله.
صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات
من أحد أجل الفرائض التي ذكرها الله -تعالى- في محكم التنزيل هي بر الوالدين، بل أنه لبيان فضلها الكبير قد قرن بين بر الوالدين وعبادته فقال في سورة الإسراء: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.
كما أنه في أكثر من موضع حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على بر الوالدين وأن عقوقهما من الكبائر التي يجب على المسلم اجتنابها، من تلك المواضع هو الحديث الذي نحن بصدد الكلام عنه اليوم، وهو: “الجنَّةُ تحت أقدامِ الأمَّهاتِ”.
اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن الحسد وذم الحسد في السنة النبوية
صحة متن الحديث
فعند البحث عن صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات، نجده ورد ذكره كثيرًا في كتب الحديث نحو:
- رواه ابن عدي في “الكامل في ضعفاء الرجال” (8/ 64) من طريق موسى بن محمد بن عطاء إلا أنه كان زائد عليه، وقال: ” الجنةُ تحتَ أقدامِ الأمهاتِ من شِئْنَ أدخلْنَ ومن شِئْنَ أخرجْنَ”.
- بنفس الصيغة السابقة رواه الذهبي في ميزان الاعتدال (220/4) وقال عنه أنه ضعيف لان فيه أحد الرجال اسمه “موسى بن محمد الدمياطي” قد جرحه علماء الحديث ولا يؤخذ منه.
- كذلك بنفس الصيغة السابقة رواه الإمام الألباني في السلسلة الضعيفة برقم 593، وقال عنه إنه موضوع لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- ورد الحديث بالشطر الأول منه فقط عن رواية للصحاب أنس ابن مالك -رضي الله عنه- في “فيض القدير بشرح الجامع الصغير” (3/ 361، ط. المكتبة التجارية الكبرى) للمناوي، وقال عنه أنه فيه رجلان هما منصور وأبو النظر وهم لا يعرفهما علماء الحديث؛ لذلك فإن الحديث منكر.
- أورده أبو الشيخ الأصبهاني في (طبقات المحدثين بأصبهان 3/ 568) بشطره الأول فقط وقال عنه أنه ضعيف.
- اخر من حكم على صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات هو الإمام الألباني رحمه الله في (حقوق النساء في الإسلام 194)، وقال عنه إنه لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
على هذا فإن الحديث بهذه الصيغة لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ضعيف لا يؤخذ به.
صحة معنى الحديث
إذا كان علماء الحديث قد حكموا على صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات بأنه ضعيف؛ فهذا من حيث اللفظ المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما من ناحية المعنى فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث آخر يحمل نفس المعني يجب الأخذ به.
فعن معاوية بن جهامة السلمي أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
“يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ
قالَ: ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟
قُلتُ: نعَم.
قالَ: ارجَع فبِرَّها.
ثمَّ أتيتُهُ منَ الجانبِ الآخَرِ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرَةَ.
قالَ: وَيحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟
قلتُ: نعَم يا رسولَ اللَّهِ.
قالَ: فارجِع إليْها فبِرَّها.
ثمَّ أتيتُهُ من أمامِهِ، فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ.
قالَ: ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟
قُلتُ: نعَم يا رَسولَ اللَّهِ.
قالَ: “ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ”.
ورد هذا الحديث في صحيح ابن ماجة برقم 2259 ورواه النسائي والإمام أحمد والطبراني في (المعجم الكبير)، وقال عنه الحاكم والذهبي إنه صحيح وأقر بقولهم المنذري.
ففي هذا الحديث نجد أن الصحابي الجليل يلح على النبي أن يخرج معه في سبيل الله ويؤكد أن هذا الخروج هو لوجه الله خالصًا لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن أمه إذا كانت على قيد الحياة ويجيب الصحابي نعم، فيأمره النبي أن يعود إليها وأن يعمل معها أعمال البر والمعروف ويرجو رضاها.
كرر الصحابي معاوية بن جهامة السلمي مقاله ثلاث مرات وكان رد النبي عليه واحد في كل مرة، وفي المرة الثالثة زاد عليه وقال: “ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ”، ومن ثم فإن معنى كلمة “ويحك” هي كلمة في اللغة العربية الفصحى تُقال لمن يقع في هلاك لا يستحقه.
معنى الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ
في معنى الحديث السابق قال الفقهاء أن المراد هو أن نصيب الإنسان من الجنة لا يصل إليه إلا برضا أمه، حيث أن الجنة صارت مثل الشيء المملوك لها قاعدة عليه تتصرف فيه كما تشاء.
فالتعبير بإن الشيء إذا صار تحت أقدام الإنسان، يدل على إنه تمكن منه ولا يصل إلى أحد شيء منه إلا برضاه.
في ذلك قال الإمام المناوي رحمه الله في كتابه (فيض القدير بشرح الجامع الصغير 3/ 361، ط. المكتبة التجارية الكبرى): “… والمعنى أن التواضع للأمهات وإطاعتهن في خدمتهن وعدم مخالفتهن إلا فيما حظره الشرع سبب لدخول الجنة …”.
يرى علماء الحديث أنه لعل النبي -صلى الله عليه وسلم- رد عليه بهذا الرد لأنه كان يعلم بحاجة أمه إليه، فيبن له أن برها مثله مثل الجهاد كلاهما باب من أبواب الجنة.
ففي هذا تكثير وتعديد أبواب الخير المؤدية للجنة، وبيان أن بر الوالدين فرض عين على كل مسلم ومسلمة بينما الجهاد في سبيل الله فرض كفاية فإذا قام به بعض المسلمين سقط عن البقية، فهناك من خرج إلى القتال غير هذا الشاب، لذا وجهه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى بر أمه.
على هذا وبناءً على ما سبق ذكره من أقوال علماء الحديث والفقهاء؛ فإن حديث الجنة تحت أقدام الأمهات صحيح من حيث المعنى، لكنه ضعيف من ناحية السند والمتن، وكما قال الفقهاء فيه إنه يجوز ذكره من باب الترغيب في بر الوالدين لما لهذا الباب من فضل عظيم.
شاهد أيضًا: حوار بين شخصين قصير جدا عن بر الوالدين
بذلك نكون قد ذكرنا أقوال المحدثين في صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات وقدمنا تخريج الحديث في كتب الصحاح، كما تناولنا أقوال الفقهاء في معنى الحديث، وخلصنا إلى كونه ضعيفًا من حيث السند والمتن وصحيح من حيث المعنى، ونتمنى أن نكون قد قدمنا لكم الإفادة والنفع.
التعليقات