حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء أو ملامسة الرجل لزوجته (اللمس الفزيائي بالمعنى اللغوي) من أكثر المواضيع الفقهية التي اختلف فيها الفقهاء خصيصًا أهل النقل/ الحديث وأهل الرأي، بسبب أخذهم بظاهر الآية الكريمة أو بالمعنى.
على هذا اختلف الفقهاء على أربعة أراء كلها صحيحة وللمسلم أن يتبع ما يستقر إليه قلبه، ذلك ما سنبينه في موضوعنا هذا على موقع تثقف.
حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء
الأصول الفقهية التي أستند عليها الفقهاء في قولهم حول حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء هي:
- قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا” (النساء 43) موضع الشاهد: ” لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ”
- قول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّهُ كانَ يقولُ: “قُبلةُ الرَّجلِ امرأتَهُ وجسَّهُ بيدِهِ منَ المُلامسةِ ، فمَن قبَّلَ امرأتَهُ أو جسَّها بيدِهِ ، فعليهِ الوضوءُ” (عمدة التفسير 1/514).
- قول عبداللهِ بن مسعود “القبلةُ من اللمسِ وفيها الوضوءُ زاد المعلّي وابنُ عرفةَ واللمسُ ما دونَ الجماعِ” (سنن الدارقطني 1/343).
- عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ” أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قبَّلَ امرأةً مِن نسائِهِ ثمَّ خرجَ إلى الصَّلاةِ ولم يتوضَّأْ قالَ عُروةُ : فقلت لها : من هيَ إلَّا أنتِ فضحِكت” ( صحيح أبي داود 179)
- حديث الرجم الذي رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “أنَّ ماعزَ بنَ مالكَ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ لَهُ: لعلكَ قبَّلتَ أو لَمستَ أو غَمزتَ. قالَ لا. قالَ: فعلتُ كَذا وكَذا ؟ لا يُكنِّي. قالَ: نعم. فأمرَ برجمِهِ” (الاقتراح 109)
موضع الشاهد هنا هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لعلكَ قبَّلتَ أو لَمستَ أو غَمزتَ” أي أن اللمس ما هو دون الجماع.
شاهد أيضًا: حكم تقبيل الزوجة من فمها كما ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية
تفسير الآية الكريمة
في تفسير الآية السابق ذكرها
فسر بعض العلماء مثل ابن ابي حاتم أن اللمس هنا هو الجماع، وبذلك قال ابن عباس وآخرون أن ملامسة النساء هي الجماع، وذلك لأن الله تعالى نبه على وقوع الحدث الأصغر بقوله: “أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ”، ثم أشار إلى الحدث الأكبر بقوله: ” الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ” وفي هذا وقوع الحدث الأكبر أي الجماع.
وقال آخرون إنها مجرد المس لظاهر القول.
على هذا اختلف العلماء في الرأي في قول أن مجرد المس ينقض الوضوء أم لا.
رأي الفقهاء في حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء
اختلف جمهور الفقهاء على أربع أقوال هم
الأول: رأي الشافعية ورواية عند الحنابلة
أن المس ينقض الوضوء عمومًا، لظاهر قول الله تعالى السابق تفسيره، ولأن القبلة واللمس مظنة اللذة بين الرجل وزوجته.
وعلى هذا في باقي كل صور الالتقاء بين بشرتين الرجل والمرأة، ولا تفرقة بين اللامس والملموس.
وعند الشافعي إن اللمس ينقط الوضوء حتى لو كان الممسوس ميتًا.
لكن فرق الشافعية بين المحارم بنسب ورضاعة، وغيرهن من النساء، فالنساء اللاتي لا يقع عليهن محل الشهوة ملامستهن لا تنقض الوضوء.
الرأي الثاني: القول المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل
فرق الإمام أحمد بن حنبل بين موقفين:
- من قبل بشهوة: فيجب عليه الوضوء.
- من قبل برحمه: لا يجب عليه الوضوء، ولم يفرق الإمام أحمد بين الكبيرة والصغيرة لعموم النص.
شاهد أيضًا: حكم تقبيل الزوجة يد زوجها كما ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية
الرأي الثالث: للمالكية
فصل المالكية القول في شيئين:
- التقبيل في الفم الذي يتلذذ به صاحبه في العادة هذا منقض للوضوء، حتى إن لم يقصد اللذة ولم يجدها، مثلا إذا ما كان بكره أو استغفال أو ما إلى ذلك، لأن القبلة على الفم من المعروف عنها أنها لا تنفك عن اللذة إلا نادرًا، والنادر لا يقاس عليه.
- تقبيل باقي الأعضاء ينفصل إلى:
- إذا كان المقصود به اللذة وإن لم يكن يقصد به اللذة ولكنه وجدها فإنه ينقض الوضوء.
- إذا لم يكن يقصد به اللذة فلا ينقض الوضوء
أما إذا كان التقبل للوداع أو للمريض أو ما إلى ذلك فلا ينقض الوضوء.
الرأي الرابع: الحنفية
يرى فقهاء الحنفية أن مس المرأة يدها أو غير ذلك من بدنها لا ينقض الوضوء، ما لم يقع ملامسة فاحشة بينهم (جماع ومقدماته).
قال الإمام شمس الأئمة السرخسي في كتابه “المبسوط في الفقه الحنفي” الذي أملاه على تلاميذه وهو سجين في الجب: ” ولا يجب الوضوء من القبلة، ومس المرأة بشهوة، أو غير شهوة. وهو قول علي وابن عباس رضي الله عنهم” (1/121).
وقال محمد بن على الشوكاني في كتابه (فتح القدير في الفقه الحنفي): ” يجب الوضوء من المباشرة الفاحشة. وهي أن يتجردا معا متعانقين متماسي الفرجين، وعن محمد لا إلا أن يتيقن خروج شيء. قلنا يندر عدم مذي في هذه الحالة، والغالب كالمتحقق في مقام وجوب الاحتياط”
أدلة رأي الحنفية
أدلة الحنفية في هذا الرأي بجانب الاحاديث السابق ذكرها أن الأصل هو الطهارة ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل صحيح، كما أنهم استدلوا بأحاديث أخرى مثل:
- عن السيدة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ” كُنْتُ أنَامُ بيْنَ يَدَيْ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِجْلَايَ في قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قالَتْ: والبُيُوتُ يَومَئذٍ ليسَ فِيهَا مَصَابِيحُ” (صحيح البخاري 513)
فلو كان لمس النساء ينقض الوضوء فكان وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قد اتنقض في تلك الحالة. - عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ” فقَدْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي علَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وهو في المَسْجِدِ وهُما مَنْصُوبَتَانِ وهو يقولُ: اللَّهُمَّ أعُوذُ برِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ، وأَعُوذُ بكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كما أثْنَيْتَ علَى نَفْسِكَ” (صحيح مسلم 486)
فلو كان مجرد تلامس جلد الرجل لجلد المرأة لكان تم نقض وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الذي روته أمنا عائشة رضي الله عنها.
أما تفسير الحنفية للآية الكريمة فقالوا بأن المس هو الجماع بدليل قول السيدة مريم “وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ” (آل عمران/47)، كما أردفنا هذا قول جماعة من الصحابة الكبار أمثال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس، وفي كتاب (المصنف) لعبد الرازق الصنعاني ورد أن هذا رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عن 1/134
بذلك قد اتفق رأي المالكية والحنفية في التوسط بين الفريقين فقالوا ان كان المس بشهوة فذلك ينقض الوضوء وإن كان دون شهوة مثلما ورد في أحاديث السيدة عائشة رضي الله عنها فإنه لا ينقض الوضوء
شاهد أيضًا: حكم تقبيل الزوجة أمام الناس وأمام أطفالها كما ورد في القرآن الكريم والسنة
رأي الفقهاء المحدثين في حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء
قد تناول أعلام الفقه في العصر الحديث موضوع حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء بوضوح مثل:
- قول الإمام ابن باز رحمه الله: ” لا شيء على الرجل، إذا قبَّل زوجته ولم يخرج منه شيءٌ فوضوؤه صحيحٌ على الصحيح.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى أن تقبيلها ينقض الوضوء، وقال بعضُهم: مجرد اللمس ينقض الوضوء.
والصواب أنه لا ينقض الوضوء على الأرجح من أقوال العلماء: أن مسَّ المرأة أو تقبيلها لا ينقض الوضوء، إذا لم يخرج منه شيءٌ، لا مذي، ولا غيره.” - الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قال: ” يعني أن الرجل إذا قبّل زوجته أو مس يدها أو ضمها ولم يُنزل ولم يُحدث فإن وضوءه لا يفسد لا هو ولا هي ، وذلك أن الأصل بقاء الوضوء على ما كان عليه ، حتى يقوم دليل على أنه انتقض ، ولم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن مس المرأة ينقض الوضوء، وعلى هذا يكون مس المرأة ولو بدون حائل ولو بشهوة وتقبيلها وضمها ، كل ذلك لا ينقض الوضوء” (فتاوى المرأة لابن عثيمين ص20)
بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء الأربعة في موضوع حكم تقبيل الزوجة بعد الوضوء، وأدلة كل رأي نرجو أن نكون قد وفقنا الله تعالى في طرح هذا الموضوع.
التعليقات