فضل دعاء ربي اني مسني الضر

ورد في سورة الأنبياء ثلاث دعوات للأنبياء هم أيوب ويونس وزكريا عليهم وعلى نبينا السلام، فما فضل دعاء ربي اني مسني الضر الذي قاله سيدنا أيوب، وماذا قال فيه المفسرون؟ وكذلك ما قول المفسرون في دعاء سيدنا يونس -عليه السلام- أَن لَّا إله إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، ودعاء سيدنا زكريا لرَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.

هذا دعاء الأنبياء الذين هم المنارة التي نهتدي بها في الحياة، لهذا سنتناول في هذا الموضوع على موقع تثقف أقوال الفقهاء في الدعاء بدعائهم.

فضل دعاء ربي اني مسني الضر

أجمع الفقهاء على أن أفضل دعاء هو المأثور من الكتاب والسنة النبوية، وقد خص الفقهاء بفضل الأدعية التي وردت على لسان الأنبياء، وقصها علينا الله -تعالى- في محكم التنزيل، وهذا لحكمة يعلمها الله وحده.

إلا إن أغلب الفقهاء يرون أنه من أجل تلك الحكمة من الأفضل أن يحفظها المؤمنون ويدعون الله بها ويتقربون بها إلى خالقهم، فمن أصابه مرض أو ضر فمن المناسب له أن يدعو به، ولا يشترط أن يكون المريض بمرض لا يرجى الشفاء منه.

اقرأ أيضًا: دعاء يوم عرفه مستجاب .. أفضل الأدعية في وقفة عرفات

الجمال في ربي إني مسني الضر

ورد الدعاء في قوله تعالى من سورة الأنبياء:

“وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84)“.

مع الجمال الكثير والعظمة في الآية نقف عند كلمات بسيطة منها، لا على سبيل التأويل أو الشرح لكن لاستشعار قليل من مواطن الجمال:

• قوله: “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ” فنجد حسن تأدب سيدنا أيوب مع ربه، فقال أنه مجرد مساس من الضرر رغم كل ما عاناه من أمراض وابتعاد الناس عنه وآلام وحتى فقد ماله وولده… كل ذلك قال عنه مجرد مس من الضر.
• قوله: “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ” نجد أيضًا في نفس اللفظ البليغ أنه بدأ الكلام بنفسه ونسب الفعل إلى الضر، أي أن الضر هو الذي مسه، ولم يقل يا الله إنك ابتليتني بكذا، وفي هذا جميل التأدب مع الله عز وجل.
• الجمال في الدعاء كله أنه يمثل تمام العبودية لله والالتجاء إليه، وتمام الألوهية له فهو القاد على شفائه وحده.
• سيدنا أيوب لم يحدد طلبه، فقط قال: “وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” ففيها إقرار برحمة الله عز وجل، ويقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: “من شغلَهُ القرآنُ عن ذكري، ومسألتي أعطيتُهُ أفضلَ ما أُعْطِي السائلينَ، وفضلُ كلامِ اللهِ على سائرِ الكلامِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ” (سنن الترمذي 2926)، وهذا يبين فضل دعاء ربي اني مسني الضر.

• يقول علماء اللغة العربية أن حرف العطف الفاء يعني الترتيب مع السرعة عكس حرف العطف “ثم” الذي يعني الترتيب والتراخي، ونجد أن الله تعالى قال: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا…” ونفهم من هنا أن الاستجابة كانت مباشرة وسريعة وكشف الله ما بسيدنا أيوب من ضر ورزقه من فضله الواسع، وذلك موضع آخر من عظيم فضل دعاء ربي اني مسني الضر. 

فضل دعاء لا إله إلا أنت سبحانك

بعد أن تناولنا بعضٍ من فضل دعاء ربي اني مسني الضر مما وصل إلى أذهاننا البشرية الضعيفة، نجد أن في نفس الصفحة في المصحف دعاء آخر عظيم، وهو دعاء سيدنا يونس.

ورد هذا الدعاء في قوله -تعالى- في سورة الأنبياء:

“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)“.

يقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية أن ذا النون هو لقب سيدنا يونس عليه السلام، فالنون هو الحوت، ولقب بذلك لأن الحوت هو الذي ابتلع سيدنا يونس عليه السلام.

في فضل الدعاء بدعاء سيدنا يونس عليه السلام ورد حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:

“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له” (صحيح الترمذي 3505).

أي أن تلك الدعوة تنجي المسلم، ويستجيب لها الله عز وجل، وقيل عنها من الأفضل أن يفتتح بها المسلم الدعاء ومن ثم أن يدعو الله بما شاء، فالاستغفار هو من أعظم الأذكار.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة بقوله: “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ“.

كذلك في الآية السابقة نجد أن الله -تعالى- قال: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ” وهذا يدل على سرعة الاستجابة، ونرى أن سيدنا يونس، فقد استغفر من الذنب الذي وقع فيه، ولم يطلب من الله -تعالى- طلبه، والله -تعالى- نجاه من الغم ومن الظلمات.

كما يقول القرطبي في تفسيره: “وكذلك ننجي المؤمنين أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم” وهذا وعد من الله بنجاة من آمن به حق الإيمان والتجئ إليه.

فضل دعاء ربي لا تذرني فردًا

بعد أن تناولنا بعضًا من فضل دعاء ربي اني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين الذي قاله سيدنا أيوب -عليه السلام- وبعض من أفضل استغفار سيدنا يونس عليه السلام، ونجد أيضًا في نفس الصفحة من المصحف دعاء سيدنا زكريا عليه السلام.

ورد دعاء سيدنا زكريا عليه السلام في قوله تعالى في سورة الأنبياء:

“وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)“.

سيدنا زكريا يقول يا الله لا تتركني وحيدًا لا وارث لي ولا ولد، وأنك يا الله خير من يبقى للعبد بعد الموت، فقوله “وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ” فيه مدح لله -تعالى- وإشارة إلى أن له البقاء بعد أن يفنى من خلقهم، كما أن فيه طلب لفضله عز وجل.

كما أنه استخدم صيغة أفعل التفضيل للمبالغة والثناء على الله عز وجل طلبًا لرحمته.

نجد هنا أيضًا قوله تعالى: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ …” أي أن الله تعالى استجاب له سريعًا كما بينا سابقً في دلالة حرف الفاء فرزقه الله -تعالى- ولدًا نبيًا سماه “يحيى” عليه وعلى نبينا السلام.

كذلك جعل الله امرأته -التي كانت عاقر- ولودًا فهو القادر على كل شيء، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.

بعد ذلك بين الله تعالى صفات آل سيدنا زكريا التي كانت سبب في استجابة الدعاء فقال:

• “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ”: أي يبادرون في عمل الخير على شتى أنواعها.
• “يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا”: أي يدعون الله تعالى كثيرًا في كل وقت وحين.
• “كَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”: أي متواضعين خاضعين لله.

شاهد أيضًا: افضل دعاء مستجاب للرزق .. أدعية جلب الرزق الوفير

بذلك نكون قد ذكرنا بعضًا من فضل دعاء ربي اني مسني الضر، ومن فضل دعاء لا إله إلا أنت سبحانك، ودعاء سيدنا زكريا ربي لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين، وندعو الله أن يكون قد وفقنا لما يحبه ويرضاه.