محتويات
تناول الكثير من الفقهاء والمفسرين تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا بالشرح والتأويل والتحليل من ناحية اللغة والمعنى والقضايا والأسس المتضمنة فيها؛ ذلك لعظيم قدر القانون القرآني الذي سنه لنا الله -تعالى- فيها، ففيها بيان من رب العزة يذكرنا جميعًا بأننا سواسية.
لذلك في هذا الموضوع على موقع تثقف سننقل لكم أقوال الفقهاء والمفسرين حول تلك الآية الكريمة.
تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
المقصود بتفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في الآية رقم 13 من سورة الحجرات وهي:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
تبدأ سورة الحجرات بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا …” وهو نداء للمؤمنين خاصة، أما الخطاب في الآية الثالثة عشر مصدر بنداء إلى الناس عمومًا في قوله: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” فالخطاب هنا وجه إلى كل البشرية جمعاء، الذي يقع بينهم التفاخر والعنصرية باللون والجنس والأنساب.
اقرأ أيضًا: ما اكثر سورة تكرر فيها اسم الرحمن
“إنا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ”
أي أن الله -تعالى- هو الخالق، والذكر هو سيدنا آدم -عليه السلام- والأنثى هي السيدة حواء على أكثر أقوال المفسرين، إلا أن بعض علماء التفسير قد قالوا أن المقصود بالذكر والأنثى هو اسم الجنس، أي أن كل البشر قد أتوا من ذكر وأنثى (الأبوين).
هذا ما يؤكده قوله -تعالى- في سورة الطارق: “فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)”.
“وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ”
أي صار بني ادم مقسمين إلى شعوب وقبائل الشعوب، ومن ثم فهم أصل القبائل.
قوله -تعالى-: “لِتَعَارَفُوا”
أي أن الحكمة من هذا التعارف ليس لأن يتفاخر الناس على بعضهم البعض، أو ليمارسوا العنصرية المذمومة في الإسلام، بل إن المقصود بها أن يعرف الناس بعضهم فلا ينتسب الإنسان إلى غير أبيه.
“إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”
أي أنه ليس الكرم أن يكون الإنسان من قبيلة كذا أو قبيلة كذا؛ لكن الكرم الحقيقي هو بالتقوى فالله -تعالى- هو الكريم وهو من يرزق عباده الكرم.
“إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”
فالله -تعالى- يقول لنا أنه ذو علم بمن أتقى ومن هو الأكرم عنده، وأنه هو الخبير بأمورنا وصالحنا فلا تخفى عليه خافية.
تفسير آية “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا” عند الطبري
قال الإمام الطبري -رحمه الله- عن تلك الآية أن الله يقول للناس أنه خلقهم وأنشأهم من ماء الرجل وماء الأنثى، وأن الله جعل الناس متناسبين فبعضهم ينسب إلى الآخر نسبًا بعيدًا، وبعضهم ينسب إلى القريب، وفي ذلك قال عبد الله ابن عباس -رضي الله عنه-: “الشعوب: الجُمَّاع والقبائل: البطون”.
قوله: ” لِتَعَارَفُوا” أي ليعرف بعضهم البعض في النسب والقرابة والبعد عن بعض، ولا أفضلية في ذلك لبشري عن آخر ولا فيه قربة تقرب الإنسان إلى الله، بل الأكرم عند الله هو الأتقى، وأن الله أعلم بمن أتقى من العالمين أكرمهم عنده، وهو خبير بعباده ومصالحهم لا يخفى عليه شيء.
تفسير السعدي للآية
في كتابه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) تناول عبد الرحمن السعدي في إيجاز غير مخل تفسير آية “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”، حيث قال أن الله -تعالى- يخبر البشر أنه خلقهم من أصل وجنس واحد وهو الذكر والأنثى (اسم الجنس)، وكل البشر يرجعون في النهاية على أثنين فقط هم سيدنا آدم عليه السلام والسيدة حواء.
لكن الله -تعالى- فرقهم وجعلهم قبائل صغيرة وكبيرة؛ وذلك حتى يتعارفوا فلا يستقل كل واحد منهم بنفسه، ويحدث تعاون بين البشر وتناصر فيما بينهم، وإن أكرم الناس عند الله هو الأتقى والأكثر في الطاعة والأبعد عن موطن المعاصي.
الله عليم خبير يعلم من يتق الله حقًا في الظاهر والباطن، ومن يتق الله في الظاهر أمام الناس ولا يتقي الله في الباطن، ويجازي الله كل إنسان بما يستحق نظير عمله، كما أنه في تلك الآية دليل على أن في معرفة الأنساب ضرورة شرعية.
شاهد أيضًا: فضل قراءة سورة الملك قبل النوم وأحاديث نبوية حولها
تفسير القرطبي للآية
تناول القرطبي تفسير آية “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا” في كتابه (الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان) وقال إن فيها سبعة مسائل هي:
- المسألة الأولى: قوله -تعالى-: “إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ” أي من آدم -عليه السلام- وحواء، وأن تلك الآية نزلت في أبي هند عندما اعترض على أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما أمر بزواج أثنين وقال له: “نزوج بناتنا موالينا؟” فنزلت الآية.
لكن عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: “أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- خطبَ النَّاسَ يومَ فتحِ مَكَّةَ، فقالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وتعاظمَها بآبائِها فالنَّاسُ رجلانِ: برٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللَّهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّهِ، والنَّاسُ بنو آدمَ، وخلقَ اللَّهُ آدمَ من الترابِ، قالَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (صحيح الترمذي 3270).
- المسألة الثانية: أن الله -تعالى- يبين في تلك الآية أنه خلق الناس أجمعين من الذكر والأنثى، كما ورد ذلك في أول سورة النساء، وإنه لو شاء لخلق البشر دون الذكر والأنثى كما خلق آدم، أو دون وجود ذكر مثل خلق عيسى -عليه السلام-، أو كخلق حواء من ضلع آدم.
- المسالة الثالثة: أن الله خلق بين الذكر والأنثى أنسابًا وأصبح كل شخص يجوز نسبه، وجعل بينهم ذلك للتعارف، فإذا نفى الرجل نسبه أستوجب حد القذف على نفسه.
- المسألة الرابعة: إن البعض من الأوائل قد ذهبوا إلى أن الجنين يتكون من ماء الرجل فقط، فيتربى ليكبر في الرحم ويستمد غذائه من الدم هناك، وهذه الآية دليل صريح على أن الإنسان يتكون من ماء الرجل وماء المرأة معًا.
تفسير القرطبي في الآية الكريمة
يكمل القرطبي المسائل السبع ويقول:
- المسألة الخامسة: قوله -تعالى- “شُعُوبًا وَقَبَائِلَ” إن الشعوب هم رؤوس القبائل وسموا بذلك لتشعبهم مثل تشعب أغصان الشجر والقرطبي أيضًا: “إن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان، وقيل: إن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب، وقال ابن عباس في رواية: إن الشعوب الموالي، والقبائل العرب”.
- المسألة السادسة: إن التقوى هي المرعى عند الله -تعالى- دون الحسب والنسب.
- المسألة السابعة: روي عن الطبري أنه قال في تأويل هذه الآية:
أن رجل من الأنصار تزوج امرأة فطعن عليها في حسبها، وقال إنه لم يتزوجها لحسبها ونسبها وإنما تزوجها لخلقها الكريم ودينها القويم، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ما يضرك ألا تكون من آل حاجب بن زرارة”.
بعد ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله -تبارك وتعالى- جاء بالإسلام فرفع به الخسيسة وأتم به الناقصة، وأذهب به اللوم فلا لوم على مسلم إنما اللوم لوم الجاهلية”.
اقرأ أيضًا: كم مرة ورد ذكر شهر رمضان في القران الكريم
بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال المفسرين في تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في إيجاز غير مخل بالمعنى، مع بيان ما أوردوه من أسباب النزول والقضايا المتضمنة في الآية، ونرجو أن نكون قد قدمنا لكم النفع والفائدة.
التعليقات